عبد الرازق أحمد الشاعر Shaer129@me.com
أستميح الراقصين في مولد السيدة “إلهان عمر” أن أضع حشوتين من القطن في أذني كي لا يؤثر طنينهم المزعج على قدرتي على الفهم والحكم.
فقد تعلمت طوال عمري أن أقف من المٓشاهد موقف المتأمل المرتاب، قبل أن أضع أصابعي في حبر الواثقين الفوسفوري.
فدخول السيدة إلهان إلى ساحة الكونجرس الأمريكي كأول نائبة مسلمة محجبة ليس فتحا لحصون الروم ولا انتصارا لقيم العدالة والحرية كما يحلو للبعض أن يصور، وإن كان يمثل بعضا من التغير المحمود في مفاهيم الناخب الأمريكي العنصرية.
إلهان عمر الطفلة اضطرت تحت جحيم الحرب الأهلية إلى مغادرة أرضها وديارها لتقيم في المخيمات الكينية مع أسرتها وآلاف الأسر النازحة، لتعاني الأمرين في خيام لم ترتق أبدا إلى مستوى الإنسانية.
وهناك، لم تستطع إلهان أن تلق حظا من التدليل يليق بسنواتها العشر وكونها الطفلة الصغرى. وبعد أربع سنوات من المعاناة، تشاء العناية الإلهية أن تستجيب لكفي إلهان الصغيرين فتنتقل للإقامة في ولاية مينسوتا مع أسرتها.
وهناك، يتجلى نبوغ الفتاة اليافعة فتتعلم اللغة الإنجليزية في أشهر معدودات، وتعمل كمترجمة لمؤتمرات جدها المحلية.
ومع نهاية عقدها الثالث، تستطيع الصومالية الطموحة الحصول على بكالوريوس في العلوم السياسية وآخر في العلاقات الدولية من جامعة نورث داكوتا لتدخل عالم السياسة من أوسع أبوابه. واليوم، يصفق النواب الأمريكيون لامرأة استطاعت أن تغير كل شيء فيها وحولها إلا لون بشرتها الداكن، وحجابها الذي بالكاد يستر جيدها، لتقف على ساقين من أمل، وتشكر أهالي مينسوتا الطيبين، الذين أستطاعوا أن يحتضنوا بطة صومالية عرجاء ويدفعوا بها نحو قبة البرلمان في تحد صارخ لميول رئاسية عنصرية تزدري العرب والمسلمين وتسيء إليهم في كل محفل.
الصورة حتى الآن وردية مخملية، والآمال عريضة بحجم محيط الخراب الذي يقسم العالم إلى هاويتين.
فها هي الفتاة التي تعرضت للضرب على يد ثلة من العنصريين عام 2014، ترفع يمينها كتمثال حرية في زمن القهر وتبشر بمجتمع خال من العنصرية والإسلاموفوبيا والكراهية.
وكعارضة أزياء مدهشة، تسير إلهان في خطوات متناسقة لترصدها أعين الكاميرا في شبقية لا تخطؤها عين، لتتكفل بعمل دعاية مدفوعة لمن شارك أو بارك أو سمح أو صمت على دخولها قاعة الكونجرس.
ولا أعرف لماذا يذكرني المشهد بمتسلقي إيفرست الذين تدفع لهم الشركات المصنعة آلاف الدولارات مقابل الدعاية لمنتجاتهم.
أخشى أن تتحول عرابة العروبة إلى خنجر مسموم يندفع تحت الخاصرة.
وأخاف أن يتحول الرمز إلى غواية تستهوي الطيبين ممن تخدعهم سرعة الخيل وألوان القبعات، فيمتدحون مهارة الغازي في إطلاق الرصاص ويشمئزون إن حمل أبناء البلاد الأسلحة البيضاء دفاعا عن أكواخهم ومعتقداتهم.
وأريد هنا أن أتفق مع علمانيو الشرق على أن الحجاب لا يعني الفضيلة، والبشرة السوداء لا تدل بالضرورة على نقاء السريرة.
ولو كان الإسلام يعرف بالحجاب، لما تراجع المسلمون إلى هذا الدرك المخزي من جهل وتخلف واقتتال.
الغريب أن أصحاب الرأي هنا والذين يهللون لانتخاب إلهان هناك هم أنفسهم الذين يحاربون ارتداء الحجاب هنا، في ازدواجية منكرة لحقوق إنسان لم يعد من حقه ممارسة حرياته إلا في الشتات.
أخشى أن يُستغل وجود إلهان وصاحبتها رشيدة طليب في أروقة الكونجرس في الترويج لعنصرية بغيضة ضد العرب والمسلمين، وأن يتم تحت سمعهما وبصرهما تمرير أشد القوانين إثارة للكراهية في تاريخ الشعوب.
أذكر أن نجاح امرأتين مسلمتين دفعة واحدة في اجتياح عتبات الكونجرس أمر يثير الإعجاب ويحفز الأمل، ولولا خوفي مما قد تسفر عنه تلك الخطوة من لبس غير منطقي أو مبرر بين تاريخ المرأتين وأسس العقيدة، وخاصة بعد قراءتي لمقالات تحاول النيل من عرض إلهان، وتتناول علاقاتها السابقة، لكنت أول المصفقين لتلك الإفاقة المتأخرة لوعي أمريكي محتمل.